معاناة الأسرى تتفاقم ما بين مواجهة السجّان و"كورونا"

شارك

facebook icon twitter icon whatsapp icon telegram icon

كاترين ضاهر

يُظهر الفلسطينيون مدى عزيمتهم وإصرارهم على تشبّثهم بحقوقهم وأرضهم، وها هم بالمرصاد لوباءين "كورونا" والاحتلال الصهيوني الذي يعتبر الأشد خطراً وإجراماً من الفيروس.

وككلّ عام، في الثلاثين من آذار/ مارس، يجدّد الشعب الفلسطيني ومتضامنون من دول العالم عهدهم بإحياء "يوم الأرض" الفلسطيني للتأكيد على تمسّكهم بأرض فلسطين وحق العودة وهويتهم الوطنيّة، بعد أن صادرت قوات الاحتلال الصهيوني آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينيّة. كذلك تتواصل الضغوط للإفراج عن المعتقلين في "يوم الأسير الفلسطيني".

أما فعاليات الذكرى الرابعة والأربعين لـ"يوم الأرض" هذا العام فاقتصرت على حملات إلكترونية في ظلّ تفشي فيروس "الكورونا".

وها هو شهر نيسان/أبريل الذي يأتي كل عام ليبرز عالمياً جرائم الاحتلال الصهيوني، مسلّطاً الضوء على وحشية العدو وانتهاكاته المتواصلة في حق فلسطين وشعبها، سواء في فعاليتي "يوم الطفل الفلسطيني" في الخامس منه، أو "يوم الأسير الفلسطيني" الذي يصادف اليوم الجمعة 17 أبريل/ نيسان.

وتحل الذكرى السنوية الأولى لـ"معركة الكرامة 2" التي نفّذها المئات من الأسرى العام الماضي، في تكرار نضال الحركة الأسيرة بعد تعنّت إدارة سجون الاحتلال الصهيوني؛ وعدم استجابتها لمطالبهم العادلة. إذ تخوض الحركة الأسيرة اليوم "معركة الأمعاء الخاوية"، بتنفيذ مئات المعتقلين إضراباً مفتوحاً عن الطعام احتجاجاً على تزايد وحشية إدارة السجون في معاملتهم، وتهديدها لسلامتهم في ظلّ تفشي "كورونا"...

وضمن إطار فعاليات "الأسبوع العالمي لمناهضة الإمبريالية"، يطلق المنظمون حملة تضامنية عالمية إلكترونية اليوم الجمعة 17 أبريل/ نيسان، لمساندة قضية الأسرى الفلسطينيين، وتسليط الضوء على الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حقهم، خصوصاً مع تفشي "اكورونا"، بهدف النضال المشترك للضغط من أجل المطالبة بإطلاق سراحهم، على المستوى العالمي، والمنطقة العربية والمغاربية، التي تشمل أيضاً المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، كالأسير اللبناني المناضل جورج عبدالله، المعتقل في السجون الفرنسية تعسّفاً منذ 36 عاماً، والذي يحتاج تنفيذ قرار الإفراج عنه المفترض منذ 20 عاماً فقط إلى توقيع وزير الداخلية الفرنسي.

التضامن المستمر...

وتضامناً مع الأسرى، انطلقت حملة إلكترونية باستخدام وسم "الأسرى مناعتنا"، في الخامس والعشرين من شهر آذار الماضي، للمطالبة بالإفراج الفوري عنهم. وتطرقت أغلب التغريدات إلى ‏عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتّى نهاية شهر آذار/ مارس 2020، والذي بلغ قرابة 5000 أسير، منهم 40 أسيرة، وحوالي 200 طفل، مع ما يقارب 430 من المعتقلين الإداريين؛ في حين بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري الصادرة 92 أمراً إدارياً، بين جديد وتجديد لأسرى سبق أن صدرت في حقهم أوامر اعتقال إداري.

ورغم المخاوف الكبيرة من انتشار فيروس "كورونا"، إلّا أن قوات الاحتلال استكملت نهجها الإجرامي، إذ اعتقلت 357 فلسطينياً خلال شهر آذار الماضي، بينهم 48 طفلًا، وأربع نساء، وفقاً لتقارير صادرة يوم الثلاثاء 7 الجاري عن مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان (نادي الأسير، وهيئة شؤون الأسرى والمحررين، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان).

تفاقم المعاناة...

تتزايد المخاوف على مصير الأسرى في سجون الاحتلال، مع انتشار "كورونا"، وسط المماطلة المتعمّدة من إدارة سجون الاحتلال في توفير الإجراءات الوقائية اللازمة داخل أقسام الأسرى، إضافة إلى الاكتظاظ الموجود في الزنزانات، والذي بدوره يخلق بيئة مثالية لانتشار الفيروس، ما قد يؤدّي إلى إصابة أعداد هائلة من الأسرى، خاصة مع إعلان إدارة السجون عن إصابة سجّانين، وحجر آخرين.

ناهيك عن الإجراءات التنكيلية التي تعمد إدارة سجون الاحتلال إلى فرضها في حق الأسرى، كسحبها مؤخراً أكثر من 150 سلعة من داخل "كانتينات" السجون من الأغذية ومواد التنظيف والتعقيم، والتي تُعد من الضروريات في هذه المرحلة، لاسيما بعد حجر أربعة معتقلين فلسطينيين فيما تسمى "عيادة سجن الرملة" الشهر الماضي بسبب الاشتباه في إصابتهم بـ"كورونا"، بعد الكشف عن وجود مصاب داخل مركز تحقيق "بتاح تكفا" حيث تواجدوا؛ مع العلم أن التقارير أكدت أن الأسرى الأربعة لم يخضعوا لأخذ عينات، واقتصر فحصهم على قياس درجة حرارتهم. ومع كل المخاوف الراهنة إلّا أن قوات الاحتلال تواصل عمليات الاعتقال اليومية في حق المواطنين، وتقوم مباشرة بعد اعتقالهم بوضعهم في الحجر.

وما يفاقم المعاناة قرار إدارة السجون توقيف جميع زيارات الأهل والمحامين للأسرى الفلسطينيين في الأسبوع الأول من شهر مارس/ آذار الماضي، زاعمة أن هذا الإجراء للوقاية من "كورونا"، رغم اكتفائها بذلك دون اتخاذ أي إجراءات وقائية أخرى داخل الأقسام، وأيضاً عمدت إلى تأجيل كافة محاكم الأسرى، كما هو الحال بالنسبة للعديد من المعتقلين الذين يخضعون للتحقيق أو الذين لم توجّه لهم لوائح اتهام. كما الأسرى الذين يمثلون أمام المحكمة ممنوعون من الاتصال المباشر مع محاميهم، ويُسمح لهم فقط بإجراء مكالمات هاتفية معهم.

700 أسير في خطر...

في ظلّ الإجراءات الاحترازية التي تتخذها دول العالم لمحاربة جائحة كورونا، يعاني آلاف الأسرى من ظروف صعبة أدنى ما يمكن أن توصف به أنها غير إنسانية وغير صحية، ما يهدد حياتهم، لاسيما الأسرى المرضى، وعددهم 700 أسير.

وتترافق هذه الظروف الصحية الصعبة مع انعدام إجراءات الوقاية المتعمّد من قبل الاحتلال، وتجاهله كافة النداءات الحقوقية والتحذير من تسجيل إصابات بالفيروس، لاسيما بين الأسرى المرضى وكبار السن الذين يعانون من نقص في المناعة وأمراض مختلفة من بينها السرطان والكلى والقلب، منهم 16 أسيراً يقبعون في ظروف مأساوية في ما تسمى "عيادة سجن الرملة" التي يُطلق عليها الأسرى "المسلخ".

يذكر أنه ومنذ عام 1967 اُستشهد 222 أسيراً كان من بينهم 67 أسيراً اُستشهدوا نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمد، التي تُشكل أحد أبرز الأدوات التي تنتهجها إدارة سجون العدو في حق الأسرى؛ علماً أن العديد منهم لم يشتكوا قبل اعتقالهم من أمراض أو مشاكل صحية، كما أن جزءاً من الأسرى المرضى اُستشهدوا بعد فترة وجيزة من الإفراج عنهم جرّاء هذه السياسة، كالأسيرين نعيم الشوامرة، وزهير لبادة، ما يضع تساؤلاً كبيراً على كيفية مواجهة الأسرى المرضى لظروف اعتقالهم القاسية بالإضافة إلى "كورونا".

وللحدّ من هذا الوضع المأساوي، وتجنباً لتفاقم المعاناة، جدّدت مؤسسات الأسرى مطالباتها بالتدخل العاجل للإفراج عن أسرى، لاسيما المرضى وكبار السن والأطفال والمعتقلون الإداريون، و"ضرورة وجود لجنة دولية محايدة تُشارك في معاينة الأسرى وطمأنة عائلاتهم، ودعوة أخرى للصليب الأحمر بالقيام بدور أكثر فعالية في التواصل مع الأسرى، وعائلاتهم، والضغط على إدارة سجون الاحتلال لتوفير الإجراءات الوقائية اللازمة لمنع انتشار الفيروس بين المعتقلين، وتوفير وسيلة اتصال بين الأسرى وعائلاتهم في ظلّ وقف زيارات العائلات والمحامين".

الأسيرات...

كسائر المناسبات العالمية، مرّ "يوم المرأة العالمي" بغصّة مضاعفة على نساء فلسطين، إذ كعادته يتجاهل الاحتلال النداءات الحقوقية، ويواصل اعتقال 40 أسيرة في سجن "الدامون"، بينهن 18 أمًّا، وسط ظروف صعبة، ومنهن 26 أسيرة محكومات بأحكام متفاوتة أعلاها 16 عاماً. إضافة إلى مواصلة اعتقال ثلاث أسيرات إدارياً وهن: شروق البدن من بيت لحم، وشذى حسن، وبشرى الطويل من رام الله.

وأيضاً تعاني الأسيرات ظروفاً صعبة وسط انتشار "كورونا" وما يرافقه من إجراءات قاسية بالنسبة لوقف زيارات عائلتهن، والمحامين؛ لاسيما أن منهن من يعانين أمراضاً وإصابات، أخطرها حالة الأسيرة إسراء جعابيص المحكومة بالسجن لمدة 11 عاماً، والتي تُعاني من حروق بنسبة 60 % في جسدها.

أطفال فلسطين..صامدون

مرّ "يوم الطفل الفلسطيني" في الخامس من الشهر الجاري عصيباً على أطفال فلسطين، إذ ضاعف انتشار "كورونا" معاناتهم من وباء الاحتلال الصهيوني المستمر، الذي يحرمهم من أبسط حقوقهم في طفولة طبيعية آمنة ومستقرة، إذ سلبوا أيضاً مثل كافة أطفال العالم حقهم في التعلُّم واللعب وفرض عليهم قسراً التزام المنازل…

أما على صعيد الأطفال الأسرى فسنوياً يتم اعتقال ومحاكمة ما يقارب من 700- 800 طفل يتعرضون للتعذيب وإساءة المعاملة خلال عمليات التحقيق والاحتجاز من جانب جيش الاحتلال، وشرطته، وأجهزة الأمن الصهيونية.

يواصل الاحتلال اعتقال نحو 200 طفلاً في سجونه، آخرهما اعتقال طفلين من جنين مساء الثلاثاء، رغم النداءات والمطالبات الراهنة بالإفراج عنهم، جرّاء انتشار "كورونا"، الذي أضاف خطراً جديداً على مصيرهم، لاسيما مع انعدام التدابير الوقائية الكافية لحماية الأسرى منه، إضافة إلى خطر استمرار اعتقالهم في سجون لا تتوافر فيها أدنى شروط الخاصة بحمايتهم؛ الأمر الذي يلحق بالأطفال تعذيباً نفسياً، ويؤثر على صحتهم العقلية، ويضع أسرهم تحت ضغط كبير.

يُشار إلى أن قوات الاحتلال اعتقلت منذ عام 2000 ما لا يقلّ عن 17000 قاصر فلسطيني... نحو ثلاثة أرباعهم تعرضوا لشكل من أشكال التعذيب الجسدي، فيما تعرّض جميع المعتقلين للتعذيب النفسي خلال مراحل الاعتقال المختلفة.

تواصل الانتهاكات...

يواصل الاحتلال الصهيوني انتهاكاته لحقوق الأطفال، فاستشهد ثلاثة أطفال فلسطينيين منذ بداية العام الجاري في قطاع غزة والضفة الغربية، وسقط 28 طفلاً شهيداً على يد قوات الاحتلال العام الماضي في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويُنفذ الاحتلال انتهاكات جسيمة بحق الأسرى الأطفال منذ لحظة إلقاء القبض عليهم واحتجازهم، تتناقض مع ما نصت عليه العديد من الاتفاقيات الخاصة بحماية الطفولة، وذلك من خلال عمليات اعتقالهم المنظمة من منازلهم في ساعات متأخرة من الليل إلى مراكز التحقيق والتوقيف، وإبقائهم دون طعام أو شراب لساعات طويلة وصلت في بعض الحالات الموثقة ليومين، وتوجيه الشتائم والألفاظ البذيئة إليهم، تهديدهم وترهيبهم، انتزاع الاعترافات منهم تحت الضغط والتهديد، دفعهم إلى التوقيع على الإفادات المكتوبة باللغة العبرية دون ترجمتها، حرمانهم من حقهم القانوني بضرورة حضور أحد الوالدين والمحامي خلال التحقيق؛ وغير ذلك من الأساليب والانتهاكات. كما لا تتوانى سلطات الاحتلال عن اعتقال الأطفال إدارياً دون أي تهمة، علماً أن معظم التهم الموجهة لهم تتعلق بإلقاء الحجارة.

يقبع الأسرى الأطفال في ثلاثة سجون وهي: عوفر، مجدو، والدامون. ومنذ عام 2015 سُجلت أكثر من 6700 حالة اعتقال بين صفوف الأطفال والفتية الفلسطينيين.. وكانت أعلى نسبة لعمليات اعتقال الأطفال عام 2015 الذي شهد بداية الهبة الشعبية، بلغت 2000 حالة اعتقال، وتركزت غالبيتها في القدس، التي تُسجل أعلى حالات اعتقال بين صفوف الأطفال شهرياً مقارنة مع المحافظات الفلسطينية الأخرى.

وشهدت قضية الأسرى الأطفال تحوّلات خطيرة منذ مطلع العام الجاري 2020، حاولت إدارة سجون الاحتلال فرضها داخل السجون، وتمثلت في نقلهم دون ممثليهم من سجن "عوفر" إلى سجن "الدامون"، حيث تعرّضوا لاعتداءات على يد قوات القمع، وعزل عدد منهم، وتهديدهم، واحتجازهم وسط ظروف قاسية جداً، وفرض عقوبات عليهم وحرمان عائلاتهم من زيارتهم، الأمر الذي اعتبره الأسرى والمؤسسات الحقوقية تحولاً خطيراً ومحاولة لسلبهم أحد أهم مُنجزاتهم؛ والمتمثل في وجود مشرفين على الأسرى الأطفال داخل السجون، لتنظيم حياتهم ومساعدتهم في مواجهة ظروف الاعتقال.

وفي هذا السياق، مازالت تتعالى صرخات ونداءات العديد من المنظمات الحقوقية والمدنية بضرورة الإفراج عن الأسرى ولكن دون جدوى؛ ومنها تطبيق المادة الثالثة من اتفاقية جنيف الرابعة، وهي: "يقع على عاتق الاحتلال واجب قانوني لضمان تلقي كلّ الفلسطينيين العناية الصحية اللائقة والأساسية". ولاسيما المادة 27 و76 حول التزام الاحتلال بـ"تزويد المعتقلين بالغذاء الملائم والبيئة الصحية للحفاظ على صحتهم... وإلغاء جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة واتفاقية حقوق الطفل".