الشعب الأمريكي سئم من الوضع القائم

شارك

facebook icon twitter icon whatsapp icon telegram icon

اجتاحت مظاهرات و إحتجاجات جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية بعد مقتل جورج فلويد في 25 ماي/أيار. و كان جورج فلويد قد قتل على يد ضباط شرطة, فبعد أن تم اعتقاله, قام أحد هؤلاء الضباط بتثبيته على الأرض من خلال وضع ركبته على عنق الضحية لما يقرب من تسع دقائق, مما تسبب في وفاته. وفاة كانت فتيلا لتنظيم احتجاجات و مظاهرات مطالبة بالعدالة و منادية بتغيير نظامي و إنهاء لعنصرية الشرطة. و للحديث أكثر عن هذه التطورات, نستضيف معنا كلوديا دي لا كروز من مشروع التعليم الشعبي و فاعلة في منتدى الشعب بنيويورك.

أحد أهم الأشياء التي تم تداولها بين كثير من الناس في الشوارع و أيضا تم إثارتها بين مختلف الفعاليات المؤطرة لمثل هذه القضايا و الحركات لفترة طويلة هو حقيقة أن هذه الحادثة ليست استثناء و أنها ليست فقط بضع سمكات متعفنة في جهاز الشرطة, بل تعتبر حقا مشكلة نظامية. فقد كانت هنالك مجموعة من جرائم القتل و عمليات إعدام مشابهة لما يقع في الوقت الحالي على مدار السنوات الماضية, وفي مقابل هذه الممارسات كانت هنالك مجموعة من الحركات و ممثلي السلطة عبروا كلهم عن تعاطفهم, كما أنهم رفعوا شعارات غامضة من أجل التغيير و لكن لم تحدث أي فارق. لذا هل يمكنك أن تحدثينا قليلا عن كيف تلعب بعض العوامل النظامية دورا مهما عندما يتعلق الأمر بإنفاذ القانون في مثل هذه الحالات؟

أعتقد أن ما يجب أن نستوعبه و أنت قد أثرت إمكانية أن تكون هناك عوامل نظامية لما يجري, هو أنه تاريخيا عندما نفكر في المراقبة و الشرطة و العسكرة فإننا يجب أن نستحضر جوهر و جذور تطور الولايات المتحدة الأمريكية.

إن التفكير في الأمر كحالة فردية هو خسارة كبيرة و ضرب ليس فقط في نضالاتنا بل أيضا في التحركات التي قام بها عامة شعبنا, بل إن هذا الفهم يخلق لدى صاحبه عيبا في مدى استيعابه للشر و الوحشية و أيضا قدرة النظام على أن يكون شيطانيا لحماية الرأسمال و الملكية و بدرجة متساوية حماية النخبة.

لقد شهدنا عبر التاريخ قتل الفئات الفقيرة من الشعب من ذوي البشرة السوداء و الملونة, إضافة إلى البيض الذين يرزخون تحت نفس الظروف الإقتصادية, و ذلك استمر على مر السنين, و هو عنف مدعوم من الدولة, كما أنه من المهم أن نفهم بأن هذا الأمريكي مثله مثل فطيرة التفاح بالنسبة للنظام, و الأنكى من كل هذا هو أن هذه الوقائع مستمرة في الحدوث.

أعتقد أن ما يجعل الوضع حاليا مختلفا عما حدث سابقا هو أنه أصبح ممكنا توثيق الأحداث و طرحها على مرأى من العالم أجمع. لقد أثارت قضية جورج فلويد الكثير من السخط وسط العامة, و خصوصا لأنه واحد من مجموعة من الأشخاص الذين تم قتلهم في خضم هذه الجائحة, فمنهم من تم التعرف عليهم و آخرون بقوا طي الكتمان. فهذه الجرائم لم تتم فقط على أيدي الشرطة بل أضيف إليهم بعض الحراس الذين وفر لهم دعم على عدة أصعدة من طرف الدولة, و في مقابل هذه الجرائم فإن كل ما ينالونه هو صفعة على المعصم و بضع تدابير ناعمة قصد تهدئة الناس في حالة ما كان هنالك أي تحرك, و قد سئم الناس من هذا الوضع.

حتى الأحكام التي يمكن أن تصدر ضد كيفية اختيار الناس الطرق للتعبير عن سخطهم والتمرد والبوح, تصير لاغية إذا ما أخذنا بعين الإعتبار وجود رئيس يتحدث عن شريحة من الأمريكيين ذوي البشرة السوداء أو البنية والفقراء على أنهم سفاحين, إضافة إلى وصفه على تويتر لعمدة مينيسوتا بأنه شخص فضفاض, بل و يصل به الحد للتعبير على تويتر ب "سأرسل الحرس الوطني من أجل معالجة الوضع وفق الطريقة الصحيحة". فكما هو واضح من هذا التعامل تسخير الطريقة الكلاسيكية ذات التفوق الأبيض في التعاطي مع ألم الناس وحدادهم. لذا فإن هذا الوضع و كيفية تعامل النظام معه يجعلنا نؤكد على أن هناك خطر و قلق أكبر يتربص بالشعب الأمريكي يفوق حرق المباني وقتل الناس.

من الواضح أن الشعب الأمريكي الذي اجتاح الشوارع مضرما في كل ما يصادفه النار قد سئم من هذا الوضع القائم, فهو يدرك أن الأمر ليس متعلق فقط بالتسع دقائق التي استغرقها الشرطي من أجل خطف روح جورج, بل هي أبعد من ذلك بكثير و تتجاوز تلك الدقائق المعدودة, إنها أربع مئة سنة من العنف الذي تقره و تعتمده الدولة ضد فئة معينة.

أحد أهم الأسئلة التي تتراءى أمامنا إذا ما استحضرنا إحدى أشهر حوادث القتل و التي تخص مايكل براون, الذي قتل في فيرغسون, و إذا ما أخدنا بعين الإعتبار الحركات و المواقف الإحتجاجية التي كانت تواكب كل نزعة إلى استخدام العنف من طرف الدولة, هو كيف تتطور هذه الاحتجاجات, و ما هي نوعية المطالب التي يتم طرحها, خصوصا و أننا لازلنا في الأيام الأولى لانبعاث الإحتجاجات و انتشارها في العديد من المدن في مختلف الولايات. فهل يمكنك أن تخبرينا عن بعض الجوانب الرئيسية المثارة؟

أعتقد أن المطلب الأكثر إلحاحا و الذي يصادفنا كل مرة نطلع فيها على مقاطع الفديوهات, أو نتحدث مع الناس في الشارع أو حتى في مناقشاتنا مع المتظاهرين الذين يخرجون للإحتجاج, هو أنهم يرغبون في أن يتم التعامل مع جرائم القتل هذه بمنطق "الإستجابة الجنائية للأفعال الإجرامية". إن تصنيف جريمة قتل جورج فلويد على أنها قتل من الدرجة الثالثة, هو إجراء ليس كاف بالنسبة لشخص رآه العالم بأكمله وهو يقتل بدم بارد, لذا فإن استمرار نظام العدالة الجنائية في عدم أخذ الأفعال التي يمارسها ضباط الشرطة بنفس الدرجة التي يتم معالجتها بها لدى المواطنين العاديين, سوف لن يزيد الوضع إلا تفاقما.

تاريخيا ثبت أن محاولة الحديث عن علاقة الشرطة بالمجتمع لم يفلح, لأنه في نفس الوقت الذي يتم فيه نقاش هذا الموضوع, تستمر الشرطة في معاملة أفراد شعبنا بوحشية وقتلهم, خصوصا في ظل وجود استثناءات فمقتل شخص أبيض أو شرطي يتم التعامل معها بطريقة مختلفة و أكثر جدية, فقيمة الحياة ليست هي نفسها فهي متغيرة حسب الأشخاص, و هذا أول مطلب لنا.

هناك الكثير من الفاعلين في الحركات الأكثر يسارية يطالبون بإلغاء السجون, و إلغاء عمل الشرطة, و في المقابل يدعون إلى تفعيل المجتمعات ذات المخافر المحلية بطرق مختلفة من أجل تمكين الناس من الحماية. لسوء الحظ, لأنه يجب أن يقال أيضا, أن هنالك مستوى من الفوضى لدى الحركات الشعبية و اليسار في أمريكا, فهي مجزأة و غير قادرة لحدود الآن على لملمة شملها نظرا للكسور التي تعاني منها, و بالتالي من الصعب جدا القول بوجود مطلب سياسي موحد والذي يجمع الناس في وقت واحد مع هذه القائمة من المطالب.

أضن أن الأحداث المتعاقبة حاليا هي بداية جيدة, وما يجب أن نفهمه هو كيف نتعلم من الثورات و التحركات السابقة, و أيضا يجب أن نضع أنفسنا في علاقة مباشرة مع الشعب, و ندعم و نعلي صرخة شعبنا المعبرة عن آلامه و آماله بطريقة منهجية و تقديم أجندة سياسية تأخذ من المطالب الآتية توجهاتها "نحن هنا للدفاع عن الحياة, نحن هنا للدفاع عن المجتمع, نحن هنا من منظور مناهض للرأسمالية, من منظور مناهض للإمبريالية".

هذا هو العمل الملقى على عاتق الناس الذين لديهم مستوى من التنظيم و مستوى من الوعي الطبقي, و أيضا أولئك الفاعلين في المنظمات اليسارية, و أيضا هذا هو العمل الذي يجب الاستثمار فيه, لكن لسوء الحظ أيضا أقول بأن الطريق لذلك لازال طويلا, لأن هناك الكثير من التجزؤ و الكثير من الاختلافات فيما يتعلق بكيفية تصورنا للمضي قدمًا.

نحن في مكان مختلف عما كنا عليه في فيرغسون وبالتيمور منذ عام 2014, فقط مررنا بفترات عصيبة و متوالية ابتدأت بأحداث 2014 و امتدت على فترة حكم أوباما, و الأربع سنين العصاب لحكم ترامب, كل هذا استطعنا النجاة منه و لازالت لدينا القدرة و الرغبة في تغيير يقلب مجرى الأوضاع, فالوضع الحالي لا يطاق و زاد من تأزيمه, ازدياد العدوان الخارجي للولايات المتحدة من أجل تصدير الأزمة الداخلية, و ارتفاع نسبة عسكرة الشرطة, والاعتداء المتزايد على السكان المهاجرين, و بالرغم من ذلك هناك تظاهرات واحتجاجات لا تتوقف.

إننا الآن في خضم جائحة عالمية, حتمت على الشعب الأمريكي فضاء لم يعتد عليه, و رغم ذلك فإن مقتل جورج كان سببا في غليان مدن عدة, بما في ذلك اجتياح الحرائق لها (إلى حدود السبت 30 مايو, اندلعت الاحتجاجات في أكثر من 400 مدينة في جميع أنحاء الولايات المتحدة), و اعتبار المواطنين على أن الأحداث اليومية المواكبة لكل هذا, يمكن النظر إليها باعتبارها ذات حمولة تاريخية تنهل من الثورات السابقة, و بات النظر إلى مفهوم الثورة على أنه صوت ولغة أولئك المضطهدين, كما أصبح للشعب نظرة للواقع من خلال اعتبار أن لهم الحق في أن يفعلوا غضبهم في صالح تحريك هذا البلد. إنها فرصة عظيمة من نواح عدة لنا لكي نكون قادرين على استجماع قوانا و النهوض بنضالاتنا للسير جنبًا إلى جنب من أجل بناء منظمات الطبقة العاملة التي ستنقلنا في نهاية المطاف من واقع سياسي و اجتماعي لآخر.

قد يكون التحدي الأساسي الذي يواجه هذه الاحتجاجات هو أن هذه السنة هي سنة انتخابات, وهناك بعض الأصوات التي تريد توجيهها فقط ضد ترامب, على اعتبار أن التصريحات كانت عنيفة و مسيئة للغاية, و بالرغم من ذلك فهذا ليس حقا جمهوريا ضد قضية الديمقراطيين

أنت محق تماما فهو ليس متعلق بحزب ضد آخر, فكلاهما لا الجمهوريين و لا الديمقراطيين كانوا متواطئين في البيت الأبيض, و يعملون على تصريف الأمور بطريقة سرية, بل إنهم يستعملون صيغة موحدة كلما أثير هذا الموضوع "يخشى ضباط الشرطة هؤلاء على حياتهم", من أجل تبرير القتل.

القضية ليست موقف حزبي, إنه موقف الطبقة السائدة, هو موقف أولئك الموجودين لحماية وتعزيز إيديولوجيات وممارسات الطبقة السائدة التي مارست دكتاتوريتها انطلاقا من موقعها في السلطة على مدار عقود طويلة و لازالت مستمرة في عنجهيتها.

من المهم أن نتذكر أنه عندما قتل مايك براون كان أوباما رئيسا للولايات المتحدة, مع أن أوباما رئيس أسود و جاء من تنظيم مجتمعي و ينحدر من عائلة الآباء مهاجرين, ففكرة ما يمكن أن يمثله الرئيس باعتبار السلطة التي يمتلكها قد تم تحطيمها لدى الشعب و خصوصا الشباب, فقد كان بإمكان أوباما آنذاك من خلال سلطه, تقديم هذه الجرائم إلى العدالة ولم يفعل. كان متواطئا في ذلك. من المهم أن نتذكر ذلك.

في هذه الفترة الإنتخابية, فإننا عندما نتحدث عن الحركة المناهضة لترامب, فإنها ليست متجانسة ولا تسير على نفس التوجهات. هناك أناس ينتمون إلى الحزب الديمقراطي في هذه الحركة, و هناك أيضا أناس معادون لترامب لكنهم متشبثون إلى حد كبير بالرأسمالية والاستمرار في الحفاظ على الوضع الراهن, إذن يجب علينا أن نكون واضحين بشأن ذلك.

إن معركتنا ضد وحشية الشرطة و ضد التفوق الأبيض, يجب أن تقترن و تترسخ في أسس معادية للرأسمالية, الإمبريالية, الأبوية, ومعادية لهذا التفوق الذي يحاولون مأسسته.

يجب علينا أن نكون واضحين حقًا و متوخين الحيطة و الحذر, لأن هذه ليست قضية حزبية, بل هي قضية طبقية.